المعنى الإنساني في زواجه صلى الله عليه وسلم بغير المسلمات
المعنى الإنساني في زواجه صلى الله عليه وسلم بغير المسلمات الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب لا اله إلا هو له الملك وله الحمد دائما أبدا ؛
والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى صاحب المقام المحمود ، والحوض المورود ، واللواء المعقود ؛ وبعد اني عندما هممت لأكتب هذا المقال شعرت بان قلمي يرتعد خوفا، وفزعا من أن يزل أو يقل عن كتابة عبارة لا ترقى إلى مقام النبي الكريم ( عليه الصلاة والسلام ) . كيف لا والكلام عن صاحب المقام الرفيع ، والمكانة العالية عند الخالق سبحانه وتعالى ؛ فنحن أقل من أن نكتب عن إنسانية من بعث للأخذ بيد البشر وردهم إلى إنسانيتهم بعد ضلالهم ، وتدني إنسانيتهم إلى الحضيض ، حتى هبطت بعض الشعوب إلى درك الحيوانية ؛ فقد وصفه الله تعالى وشهد له بمكارم الأخلاق وزكاه على باقي عباده بقوله تعالى : ( وانك لعلى خلق عظيم ) لكن سرعان ما ثبت القلم بيدي فوجدته يفيض بالمداد وكأنه يسارع إلى عبارات لم تكن تدور في خلدي ، فعرفت أن القلم قد أيقن من المقصود بالعبارات . يقول الله تعالى : واصفا النبي ( عليه الصلاة والسلام ) . {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } سورة الأنبياء . فكيف لا يحمل الموصوف بالرحمة والتي اشتقت من صفة الله تعالى، صفة الإنسانية التي ترتوي من جدول الرحمة المهداة للعالم اجمع ، فقد بعث لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور ومن تحكم الشهوة على النفوس إلى الارتقاء إلى رفعة الإنسانية التي كرمها الله عز وجل على باقي مخلوقاته . وذلك لقوله تعالى : { ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر }. سورة الإسراء فالنبي يتعامل مع الناس كافة بصفة البشرية الإنسانية ويحب لهم الهداية والنجاة من النار ، فهو القائل : " يا أيها الناس ، ألا إن ربكم عز وجل واحد ، ألا وأن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى ، ألا قد بلغت ؟ قالوا : نعم, قال : ليبلغ الشاهد الغائب " .إسناده صحيح . فكان تعامله مزيج بين بشريته وإنسانيته ، وبين روحانيته ونبوته . فبعد المقدمة عن إنسانيته ورحمته وشفقته على البشرية جمعاء ؛ نرى كيف تتجلى هذه الإنسانية النبوية من ناحية زواجه ( عليه الصلاة والسلام ) . من غير المسلمات وقد أصبحن أمهات للمؤمنين ؛ واليك مقتبسات من تلك التجليات . 1_ جويرية بنت الحارث الهلالية بنت سيد بني المصطلق ، فكانت ممن وقعن في السبي في سهم ثابت بن قيس، ففاوضته على تركها على أن تدفع له مبلغا من المال وذلك لأنها كانت تتوق إلى الحرية ؛ فجاءت إلى النبي عليه الصلاة والسلام. وعرفته بنفسها وأخبرته بأمرها ، فقال لها النبي هل لك فيمن هو خير من ذلك ؟ فقالت : وما هو قال : اقضي عنك وأتزوجك ؛ ففرحت بهذا العرض وتألق وجهها وعرفت أنها وجدت الأمان الضائع والكرامة في الدارين . فكان فعل النبي هذا لأنه عرف أنها من قوم هم من اعز العرب وأكرمهم نسبا وقد تطلع إلى المصاهرة لعله بذلك يستطيع هدايتهم إلى الإسلام . ففعلا حصل مراد النبي (عليه الصلاة والسلام ) ، ولذلك أقدم المسلمون إلى إعتاق جميع السبايا إكراما لام المؤمنين وإكراما للنبي ؛ فبذلك ربحوا البيعة . 2_ أم المؤمنين صفية بنت حيي ؛ سيدة من سادات اليهود وقد كانت في السبي في سهم دحية بن خليفة ، فأخبر النبي بالأمر وقيل له إنها سيدة قريضة ولا تصلح إلا لك فأخذها النبي ودعاها إلى الإسلام فأجابته لذلك ، ومن شدة فرحها نسيت ما كان قد حل لقومها ؛ فكان النبي ( عليه الصلاة والسلام ) . قد طمع بتليين قلوب قومها ، وكل ذلك لرحمته عليهم وخوفه من أن يكونوا حطبا لجهنم ؛ فقد كان لها حادثة مع حفصة ( رضي الله عنها ) . وذلك انه "بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال ما يبكيك قالت لي حفصة إني ابنة يهودي فقال النبي صلى الله عليه وسلم وإنك لابنة نبي وإن عمك لنبي وإنك لتحت نبي ففيم تفخر عليك ثم قال اتقي الله يا حفصة " حديث حسن رواه الترمذي . وفي حادثة أخرى أنه اعتل بعير لصفية بنت حيي وعند زينب فضل ظهر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب : " أعطيها بعيرا فقالت أنا أعطي تلك اليهودية فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر " رواه أبو داود . فانظر كم هي عظمة وإنسانية النبي ( عليه الصلاة والسلام ) .3_ ام المؤمنين ريحانة بنت عمرو القرضية ، إنها لكرامة لها ولقومها أن تكون زوجة نبي وان يكون قومها أصهاره ؛ فلولا رحمته وإنسانيته لكان الأمر مختلف عليهم . 4_ مارية القبطية ( رضي الله عنها ) والتي كانت هدية المقوقس للنبي ( عليه الصلاة والسلام ) ، وهي أم إبراهيم فقد كان بزواجها من النبي ( عليه الصلاة والسلام ) ، فيه الأمان وحصول الرعاية والمودة من المسلمين للأقباط في مصر ، وقد أوصى النبي ( عليه الصلاة والسلام ) ، بهم خيرا فقد جاء في الحديث " إنكم ستفتحون مصر . وهي أرض يسمى فيها القيراط . فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها . فإن لهم ذمة ورحما . أو قال : ذمة وصهرا . " رواه مسلم . فهذه من صور زواج النبي ( عليه الصلاة والسلام ) ، من غير المسلمات وتعامله معهن ورعايته لهن ، وهذا من بعد تفكيره ونظرته التي تملؤها الإنسانية والرحمة على البشرية جمعاء ؛ وهذا أيضا توضيحا وردا على شبهات الحاقدين ، الذين لا يملون من محاولة النيل من شخص النبي ( عليه الصلاة والسلام ) ، وإثارة الشبهات حول زواجه وحول سيرته الشريفة الطاهرة . إن الدارس لسيرة زواجه ( عليه الصلاة والسلام ) ، يرى أن نظرته ترنو إلى القبائل التي يصاهرها لكي يدخلوا في الإسلام ، فيفوزوا بالدارين ، وتضع عنهم الحروب صونا للدماء ، وفيه أيضا احتراما للإنسانية بأنه يتعامل مع الإنسان كمخلوق كرمه الله عز وجل . حقا انه رحمة مهداه ، وحقا انه لعلى خلق عظيم ، وحقا انه لنبي كريم ، وكان حقا على البشرية ان تؤمن به وبرسالته الدينية والإنسانية ، وذلك لتستمد البشرية من نور هديه ضياء الرقي ، والعلم ، والروحانية ، والمحبة ، والسماحة ، والسلامة ، والإنسانية ، والسلام ، ونشر العدالة والهداية للعالم اجمع . { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } . وصلى اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وأصحابه.